من مايا الجبيلي وليلى بسام

بيروت (رويترز) – يقضي رياض سلامة محافظ البنك المركزي، الذي كان يُحتفى به ذات مرة كممول ذي قدرات خاصة، أسابيعه الأخيرة في منصبه مطلوبًا بموجب مذكرتي توقيف فرنسي وألماني في تحقيق فساد طويل الأمد.

يمثل مذكرتا التوقيف أحدث تطور في التحقيقات عبر الحدود حول ما إذا كان سلامة قد أساء استخدام منصبه لاختلاس ثروة من الأموال العامة اللبنانية. ويشغل سلامة منصب محافظ البنك منذ ثلاثة عقود وتنتهي ولايته الحالية في يوليو تموز وينفي ارتكاب أي مخالفات.

وأثرت هذه القضايا على إرث متصدع بالفعل منذ انهيار النظام المالي اللبناني في عام 2022، وهي كارثة يلقي الكثيرون باللوم فيها على سلامة والنخبة الحاكمة في البلاد.

وسلط الانهيار الضوء على علاقات سلامة (72 عاما) بالسياسيين الحاكمين الذين بدأ دعمهم له يتضاءل في الأشهر الماضية مع تقدم التحقيقات الأوروبية.

أصدرت الشرطة الدولية (الإنتربول) نشرة حمراء بحق سلامة، مع صورته، على موقعها الإلكتروني. أعلنت فرنسا أنه مطلوب.

يقول بعض الوزراء والسياسيين اللبنانيين الآن إنه يجب أن يستقيل، بينما التزم آخرون الصمت، بمن فيهم رئيس الوزراء نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري.

ولم يُظهر سلامة أي علامة على نيته ترك منصبه مبكرًا، ووصف الاتهامات منذ فترة طويلة بأنها محاولة لجعله كبش فداء بعد الانهيار المالي في لبنان.

وقال لقناة الحدث الأسبوع الماضي “ضميري مرتاح وأعلم أن هذه الاتهامات غير صحيحة”، مضيفاً أنه سيترك منصبه إذا أصدرت المحكمة حكماً ضده.

لسنوات عديدة، اعتبر كثير من اللبنانيين سلامة العمود الفقري للنظام المالي، الذي وفر لهم مستوى معيشياً لا يتماشى مع ضعف اقتصاد البلاد. تولى سلامة منصبه عام 1993 بعد أن عمل في بنك ميريل لينش.

إلا أن النظام الاقتصادي اللبناني انهار في عام 2022 تحت وطأة الفساد المستشري في الدولة والتساهل في الهدر من جانب النخب الحاكمة، وحمل كثير من اللبنانيين سلامة مسؤولية انهيار العملة في البلاد وشلل الحركة. النظام المصرفي.

ثروات متدهورة

إنه يمثل انخفاضًا حادًا في ثروات رجل تم الاحتفاء به ذات مرة لقيادته الناجحة للبنان خلال الأزمة المالية العالمية وكمتحدث بارز في المؤتمرات المصرفية الدولية.

نادرا ما يظهر الآن في الأماكن العامة. وقال مصدر مقرب منه إنه يقضي معظم وقته داخل البنك المركزي، ويستقبل عددا قليلا من الضيوف، ولا يغادر المقر إلا عند الضرورة.

وقال المصدر “لا يمكنه الظهور علنا ​​أو القيام بزيارات خاصة أو حضور المؤتمرات أو (الإقامة في أي منزل) كثير من منازله”.

ولم يرد سلامة على أسئلة بهذا الشأن.

وتركزت التحقيقات على العمولات التي يفرضها البنك المركزي على البنوك مقابل شراء سندات حكومية، وذهب ريعها إلى شركة فوري أسوشيتس التي يسيطر عليها شقيقه رجاء سلامة.

ينفي الشقيقان تحويل الأموال العامة أو غسلها، ونفيا ارتكاب أي خطأ.

قدمت التحقيقات لمحة عن حياة سلامة، بما في ذلك علاقته بالأوكرانية آنا كوساكوفا، التي أنجب منها ابنة. قال ممثلو الادعاء الفرنسيون في ديسمبر / كانون الأول إنهم وضعوا كوساكوفا قيد التحقيق للاشتباه في غسل أموال على صلة بالقضية.

ولم ترد كوساكوفا ومحاميها في فرنسا على طلبات رويترز للتعليق على تقرير التحقيق هذا أو على طلبات سابقة.

وأثناء التحقيق استدعت السلطة القضائية الفرنسية شقيقه رجاء سلامة وماريان حويك من مساعدي محافظ مصرف لبنان. وفي تحقيق آخر، استجوب قاض لبناني الفنانة اللبنانية ستيفاني صليبا، في ديسمبر الماضي، للاشتباه في شرائها عقارًا فاخرًا لسلامة بمكاسب غير مشروعة، ضمن قائمة اتهامات ضد سلامة، وهو ما ينفيه.

ولم يرد محامي الحويك على طلب من رويترز للتعليق. وقالت صليبا، التي لم ترد بدورها، في مقطع فيديو نشرته على مواقع التواصل الاجتماعي بعد استجوابها، إنها تعرضت للظلم، دون أن تذكر أي اتهامات ضدها.

أشارت نشرة الإنتربول الحمراء بشأن سلامة إلى تهم غسل الأموال والاحتيال و “تشكيل عصابة من الأشرار” بهدف ارتكاب جرائم يعاقب عليها بالسجن لمدة 10 سنوات.

* الاستئناف على مذكرة التوقيف

وتعهد سلامة بالطعن في مذكرة التوقيف الفرنسية، التي صدرت بعد إخفاقه في المثول أمام جلسة محكمة في باريس كان من المتوقع أن يوجه فيها المدعون اتهامات أولية بالاحتيال وغسيل الأموال. قال سلامة إن المذكرة خالفت القانون.

وقال قاض لبناني إن ألمانيا أصدرت أيضا مذكرة توقيف بحق سلامة بتهم تشمل التزوير وغسيل الأموال والاختلاس.

وقال مكتب المدعي العام في ميونيخ إنه يحقق في القضية لكنه أضاف أنه لم يعلق من حيث المبدأ على أوامر الاعتقال، سواء تلك التي تم التقدم بطلب للحصول عليها أو الصادرة بالفعل.

وقال سلامة لرويترز إنه لم يتلق أي إخطار من ألمانيا.

اتهم سلامة وشقيقه رجاء ومساعده الحويك في لبنان بغسل الأموال والاختلاس والإثراء غير المشروع في فبراير شباط.

لكن النقاد تساءلوا منذ فترة طويلة عن مدى جدية متابعة القضية في لبنان، حيث يمكن للسياسيين التأثير على القضاء. ورغم أن استقلال القضاء منصوص عليه في الدستور، فقد اشتكى رئيس القضاة في لبنان العام الماضي من التدخل فيه.

وقال وزير العدل ونائب رئيس الوزراء اللبناني إن سلامة يجب أن يستقيل الآن، لكن وزير البيئة ناصر ياسين قال لرويترز إن الآراء في مجلس الوزراء انقسمت في اجتماع يوم الاثنين.

وقال ياسين “ما هو سريالي هو أنه رغم كل شيء ما زال غير مستعد للتنحي”.

(تغطية فريدريك هاينه من ألمانيا – إعداد محمد علي فرج للنشرة العربية – تحرير أيمن سعد مسلم)