من انجوس ماكدويل

تونس (رويترز) – تواجه تونس أزمة مالية شاملة يمكن أن تزعزع استقرار البلاد وتنتشر آثارها في أنحاء منطقة وسط البحر المتوسط.

عرضت دول أوروبية تقديم مساعدات بنحو مليار يورو لمحاولة إقناع تونس بالموافقة على برنامج صندوق النقد الدولي، وكان من المفترض أن يتم الانتهاء من الاقتراح قبل اجتماع المجلس الأوروبي يوم الخميس، لكن ذلك لم يحدث بعد.

يستعرض هذا المقال أسباب الأزمة التونسية والصعوبات التي تواجهها في الحصول على خطة إنقاذ خارجية، وإلى أين يمكن أن تذهب الأمور.

س لماذا الشؤون المالية التونسية في حالة من الفوضى

تضرر الاقتصاد بشكل متكرر منذ انتفاضة 2011.

أصابت الهجمات القاتلة للمتشددين في عام 2015 قطاع السياحة الحيوي، وتسبب جائحة كوفيد -19 في عام 2022 في انكماش الاقتصاد بنسبة 8.8 في المائة. كما دمر الجفاف الزراعة، مما أدى إلى تفاقم العجز التجاري.

على مدى العقد الماضي، استمرت الائتلافات الحاكمة الهشة في تجنب اتخاذ قرارات صعبة. ويقول محللون إنها فشلت في التعامل مع المصالح التجارية القوية التي أدت إلى خنق المنافسة، بينما كانت تحاول معالجة البطالة من خلال زيادة التوظيف في الشركات الحكومية التي أصبحت غير مربحة.

في عام 2022، قال صندوق النقد الدولي إن فاتورة الأجور في البلاد ستكون حوالي 18 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهي من بين الأعلى في العالم. بينما يمثل الدعم 8٪ من الناتج المحلي الإجمالي، فإن ديون الشركات الحكومية الخاسرة تشكل 40٪ منه.

وبلغ عجز الموازنة العام الماضي 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، في حين بلغ عجز الدولة 77 في المائة منه. ومن المتوقع أن تصل احتياجات الاقتراض الخارجي لهذا العام إلى أكثر من خمسة مليارات.

ما هي المخاطر الآن

هناك بالفعل علامات على تداعيات، بما في ذلك الاختفاء المنتظم للسلع الأساسية والأدوية المدعومة من المتاجر، مما يشير إلى مشاكل في تمويل الواردات. في العام الماضي، تأخر دفع رواتب بعض موظفي الدولة.

كم من الوقت يمكن لتونس الصمود متروك للمضاربة.

معظم ديون الدولة مستحقة للبنوك التونسية، لكن هناك فرصة ضئيلة لإقراض الحكومة المزيد من الدنانير.

إن طباعة النقود، لسداد الديون للبنوك المحلية أو الوفاء بالتزامات أخرى، من شأنه أن يقوض العملة التونسية، مما سيؤدي إلى تفاقم كل المشاكل الأخرى.

تخشى الأسواق الدولية من تخلف تونس عن سداد ديونها السيادية.

وخفضت وكالة فيتش تصنيف تونس، التي يتعين عليها أن تدفع مبالغ كبيرة في وقت لاحق هذا العام.

في غضون ذلك، تقلصت احتياطيات النقد الأجنبي بنحو الربع، وهو ما يكفي لتغطية نفقات الاستيراد لمدة 91 يومًا، مقارنة بـ 123 يومًا قبل عام.

النقطتان المضيئتان الوحيدتان هما تعافي قطاع السياحة الذي يدر المزيد من العملة الصعبة للبلاد، وتراجع أسعار الطاقة العالمية مقارنة بالعام الماضي، مما سيقلل فاتورة الوقود المتوقعة.

* وماذا عن خطة الإنقاذ التي اقترحها صندوق النقد الدولي

تفاوضت الحكومة التونسية على اتفاق مبدئي للحصول على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار من صندوق النقد الدولي في أكتوبر الماضي، لكن المحادثات لوضع اللمسات الأخيرة عليه توقفت لعدة أشهر.

واستند الاتفاق إلى التزامات بإرساء أسس أكثر استدامة للنهوض بالشؤون المالية التونسية وطمأنة المانحين بإمكانية سداد القروض، فضلاً عن الإصلاحات الهادفة إلى تنمية الاقتصاد.

اقترحت الحكومة توسيع القاعدة الضريبية وتنفيذ سياسات تهدف إلى مساعدة الفقراء على استبدال دعم الوقود والغذاء الباهظ الثمن وإعادة هيكلة الشركات المملوكة للدولة الخاسرة.

* ما هي المعوقات

واستولى الرئيس قيس سعيد على سلطات واسعة بعد تجميد البرلمان قبل عامين وحلّه عام 2022، وعارض مقترحات حكومته ووصفها بأنها تملي من صندوق النقد الدولي.

لن يحظى قرار إلغاء الدعم بشعبية كبيرة، وقال سعيد إنه يخشى تكرار الاضطرابات التي حدثت فيها وفيات في الثمانينيات بسبب ارتفاع أسعار الخبز، وهي أحداث تُعرف باسم انتفاضة الخبز.

يرفض الاتحاد العام التونسي للشغل القوي، الذي يقول إنه يضم مليون عضو ويمكنه إخراج الاقتصاد عن مساره من خلال الإضرابات، خفض الدعم أو خصخصة الشركات المملوكة للدولة.

لا يمكن التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي دون موافقة سعيد، ويريده المانحون أن يوافق عليه علنًا لمنع تونس من محاولة التراجع عن الإصلاحات المتفق عليها بعد منحها الأموال.

وقال مسؤولون حكوميون إن تونس تحاول التفاوض على اتفاق معدل لا يتضمن خفض الدعم، لكن ذلك قد يستغرق وقتا طويلا وقد تواجه البلاد صعوبة في إقناع المانحين بزيادة المساعدات.

* هل تستطيع تونس الحصول على أموال من مكان آخر

وقال مانحون من الغرب ودول الخليج حتى الآن إن المساعدات الثنائية الكبيرة تعتمد على استكمال تونس لاتفاق صندوق النقد الدولي.

إلا أن دولاً أوروبية وخاصة إيطاليا تخشى أن يؤدي انهيار الاقتصاد التونسي إلى تداعيات منها تصعيد موجة الهجرة وظهور تهديدات جديدة من المتشددين.

عرض الاتحاد الأوروبي دعمًا بنحو مليار يورو، لكن يبدو أن معظمه مرتبط بصفقة صندوق النقد الدولي أو بإصلاحات اقتصادية أخرى غير محددة.

قد يكون لدى الجارتين المصدرتين للنفط لتونس، الجزائر وليبيا، الحافز والقدرة على التدخل. لكن ليس من الواضح على الإطلاق المقدار الذي يمكن أن يقدمه أي منهما.

وهذا يترك تونس تعتمد على منح أصغر بكثير للمساعدة في تغطية بعض الواردات أو مشاريع التنمية أو غيرها من المشاكل الملحة لمبالغ أقل بكثير من متطلبات الميزانية الإجمالية.

(اعداد رحاب علاء للنشرة العربية – تحرير محمد محمدين).